هذا يذكرنا بالأم والأب بالنسبة لطفلهما ؛ منذ ولادته والسنوات التالية من حياته. فهويته وحياته غير منفصلتين عن أبويه ؛ فعقله ومشاعره فى حالة إرتباط مستمر بهما وكأنه لازال جزء من أمه حين كان فى بطنها ؛ فلازال يستمد منهما تفكيره ومشاعره وحياته ؛ أى غير منفصل عنهما بل ملحق بهما باستمرار. فأحواله صارت إنعكاس لحالة أمه وأبيه ، فما فيهما وما يصدر عنهما يجذبه وينتقل إليه بلا حدود. هذا صورة لعلاقة الآب بنا.
أنا إبن الله لأنه هو صنعنى إبناً له ؛ ومعاملاته الأبوية معى تؤكد هويتى ؛ وتبلورها لإدراكى ، كما أنى أقامنى فى ملكوته ووطنه ؛ أبوة الله تصنع بطاقة هوية المؤمن ؛ وهو يثبتها باختبارنا العيش فى عالمه أى عالم الروح والسماء. تماماً مثل المصرى او الإنجليزى ؛ فالناس يعيشون فى الوطن الذى يعطيهم هويتهم ؛ هذا هو الطبيعى والمتوقع وحقهم المؤكد. وعلى سبيل المثال ؛ فالقليل من الإنجليز قد يعيشون خارج إنجلترا. هذا يحدث بعض الوقت ولكنه يلتزم برجوعه لوطنه ؛ لأنه ليس إنجليزياً فى قلبه وحسب ؛ بل هو يعيش أيضاً فى إنجلترا بمجتمعها واقتصادها وبيئتها وثقافتها وطباعها وأهلها. هذا ينطبق على أولاد الله وإقامتهم أف2: 19 "فلستم اذا بعد غرباء ونزلا (ضيوف فى وطننا) بل رعية (مواطنين فى وطننا) مع القديسين واهل بيت الله".
الطبيعى واليقينى أن نعيش فى وطننا كأبناء الله وليس حالة داخلية فقط ؛ فالهوية هى نسل نولد منه ووطن ننتمى له ونحيا فيه. فنحن ولدنا من الله فى المسيح ؛ ونعيش فى بيتنا السماوى ونتمتع بخيرات ملكوته ، حتى الأرض بالنسبة لنا هى جزء من السماء "ليأت ملكوتك لتكن مشيئتك كما فى السماء كذلك على الأرض" مت6: 10 ؛ لأن ملكوت الله يملأها ، فنحن لا نعيش العالم الذى وضع فى الشرير وسلطان ظلمته. لهذا يتعجب العالم والشيطان بسبب جهلنا وكوننا لا نعيش وفى طننا الروحى فى أغلب الأحيان ؛ ونعتبر العالم هو هويتنا ؛ ولذلك يستغل العالم والشيطان ذلك بكل قدرتهما وكأننا لازلنا ننتسب للعالم كو2: 20 " إذا ان كنتم قد متم مع المسيح عن اركان العالم فلماذا كانكم عائشون في العالم."
إن الطعام الروحى والنفسى الذى يجب أن يتناوله المسيحى فى سنواته الأولى هو التغذى والشبع من أبـوة اللـه بالكتاب والروح القدس والمعاملات الإلهية، فالله أبى وأنا ابنه وأعيش فى مملكته ، بهذا الطعام يبنى الاب بنفسه كيانى وشخصيتى كإبن ، وبه تتكون ملامح الله كأبى بداخلى وعلاقته بى ، وينمو إدراكى بملكوت الله حولى وفى أعماقى. إسمح لى أن أعمق هذا الكلام بكشف بعض الجوانب الهامة.
بنويتنا لله:
يعمل الآب بكل قلبه وبنشاط ؛ لننمو ونتطور بما يتوافق مع البنوية ؛ التى خلقها الروح فينا. فيقوم الله يومياً بصياغة بنويتنا من خلال كل شئ ؛ كما يتبين من الكلمات البارزة فى يو1: 14-17 "والكلمة صار جسدا وحلّ بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة وحقا. 16 ومن ملئه نحن جميعا اخذنا. ونعمة فوق نعمة. 17 النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا." فالإبن الأزلى من ملئه يفيض علينا لنكون مثله فى بنويتنا، وفى عب2: 9-13 "يسوع نراه يذوق بنعمة الله الموت لاجل كل واحد. 10 لانه وهو آت بابناء كثيرين الى المجد. 11 لايستحي ان يدعوهم اخوة12 قائلا اخبر باسمك اخوتي وفي وسط الكنيسة اسبحك.13 وايضا ها انا والاولاد الذين اعطانيهم الله." هذه الكلمات البارزة تتحقق فينا كل ايام حياتنا بلا توقف ، هنا نرى أن بنويتنا لها صورة بنوية المسيح نفسه.
أبوة الله لنا:
ومن الناحية الأخرى يرسم الروح فينا أبوة شخص الله بوسائل كثيرة ؛ ويلاقينا به ونختبره بما يطابق ما يعلمنا فى كلمته ؛ التى يقدمها بوضوح كامل فى الأناجيل والرسائل ، فالكلمات البارزة فى هذه الآيات تقول ما يعمله الآب معنا رو8: 29-33 "لان الذين سبق فعرفهم سبق فعيّنهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه ليكون هو بكرا بين اخوة كثيرين. 30 والذين سبق فعيّنهم فهؤلاء دعاهم ايضا. والذين دعاهم فهؤلاء بررهم ايضا. والذين بررهم فهؤلاء مجدهم ايضا. 31 فماذا نقول لهذا. ان كان الله معنا فمن علينا. 32 الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لاجلنا اجمعين كيف لا يهبنا ايضا معه كل شيء. 33 من سيشتكي على مختاري الله. الله هو الذي يبرر". هذه الكلمات البارزة يعملها الآب معنا ، هنا نجد أنفسنا وجهاً لوجه مع نشاط الله أبونا وهو يطبع فينا أبوته العمليه كل حين ويؤكد ما علمنا إياه عن نفسه فى كلمته.
لا يوجد أهم من معرفة الدور الذى قام به المسيح ليحقق شوق الآب فيتمم أبوته وبنويتنا. ولازال يعمل المسيح ؛ فحياتنا المشتركة لن تتوقف من الآن وإلى الأبد.
وهكذا نتمتع بالتلاقى بين أب وإبنه. فشخصية الإبن التى يصيغها فىَّ تجعلنى أنظر إلى نفسى على أنى لوحة أبى التى يرسمها قلبه وعقله وأصابعه ، بكل الحب والأبوة ، ليخلق منى شخصية إبنه المحبوب ، ويقوم برسمها عمليا بكل الحب والسعادة . أنا لوحة الله التى تنساب عليها ألوان حبه وسلامه وفرحه ، وخطوط من نقاوته وجلاله ومجده. وهكذا تأسرنى أبوته ويتكون بيننا رباط متين وعميق حتى أننى لا أستطيع أن أرى نفسى بدونه.
المسيح يملأ المؤمنين والعائلات ، والملكوت يفيض فى الكنيسة والأمم.